ياسر أيوب يكتب : تقدير واحترام لـ "البدرى فرغلي"

25 مارس 2012 الساعة 5:18 مساء

لن أخجل أو أتردد فى تقديم التهنئة لـ«البدرى فرغلى»، النائب البرلمانى عن بورسعيد، فالقرارات التى أصدرها اتحاد كرة القدم مساء أمس الأول بشأن مذبحة استاد بورسعيد، عقب مباراة المصرى والأهلى، لم يعد لها سوى معنى واحد فقط هو أن البدرى فرغلى انتصر على الجميع.. فرض رأيه ورؤيته وموقفه على اتحاد الكرة والنادى الأهلى ومجلس الشعب والحكومة والمجلس العسكرى أيضا.. خاض البدرى فرغلى معهم كلهم حرباً صعبة وقاسية ونجح فى إدارتها وفق أهوائه وحساباته ومطامعه.. انتصر هو وخسر كل الآخرين بصمتهم وبلادتهم أو ضعفهم وخوفهم أو عجزهم وقلة حيلتهم. 
 
نجح البدرى فرغلى أولاً فى تحويل الأمر من حدث كروى إلى أى شىء آخر لا علاقة له بكرة القدم، وأسقط كل الفواصل الطبيعية والضرورية بين النادى المصرى ومدينة بورسعيد.. وأن أى عقوبة كروية على النادى بمثابة جرح وإهانة للمدينة وأهلها وتاريخها.. ونجح البدرى فرغلى ثانياً، بالترهيب والوعيد والتهديد والصوت الزاعق والصاخب، فى تكميم أفواه كل الكبار والمسؤولين ليسكتوا ويتركوا الساحة لـ«البدرى» يتحدث وحده باسمهم جميعا وكأن هؤلاء المسؤولين، فى مختلف مناصبهم وأدوارهم، أصبحوا مجرد أسود من كرتون أو نمور من ورق..
 
ونجح البدرى فرغلى ثالثاً فى إجبار اتحاد الكرة على عدم إعلان أى عقوبات على المصرى وجمهوره عقب المذبحة مباشرة، مستعينا برئيس الحكومة وزملاء له تحت قبة البرلمان، لأن «البدرى» كان يعلم تماما أن تأجيل العقوبات يوماً وراء يوم هو أمر فى مصلحته تماما.. وأن ما كان ممكناً قبوله فى أول أسبوع بعد المذبحة لم يعد ممكناً قبوله الآن بعد سبعة أسابيع.. وكان ذلك انتصارا جديدا لـ«البدرى» وهزيمة أخرى للآخرين.. فجاءت العقوبات أمس الأول لا ترضى أحداً.. بالتأكيد لا يرضى أو يقبل بها جمهور الأهلى وهو يشهد مؤامرة تم إتقان ترتيبها بهدوء.. فتجميد المصرى موسمين معناه فى الحقيقة موسم واحد فقط هو الموسم المقبل، باعتبار أن الموسم الحالى انتهى بالفعل ولن يلعب أى أحد أو فريق.. وقبل أن يبدأ الموسم الجديد سيكون المصرى قد تقدم بشكواه إلى «فيفا» الذى سيلغى قرار التجميد الذى لا يعترف به أصلا، وبالتالى يعود المصرى ليلعب منذ بداية الموسم المقبل وكأن شيئاً لم يكن.. أو كأن أحداً لم يمت.. ونجح البدرى فرغلى رابعاً فى إقرار مبدأ شديد الخطورة والإزعاج، وهو أنه ليس هناك داع لمعاقبة أى أحد يخطئ.. حتى لو كان الخطأ هو موت أربعة وسبعين شابا..
 
وبالتالى بقى «البدرى» يحشد وينفخ فى النار حتى تبقى بورسعيد غاضبة وثائرة ولا تقبل بأى عقوبة، باعتبار أن هذه العقوبة الكروية إهانة حتى لو كانت عقوبة عادلة أو حتى هزيلة.. وكل ما يجرى فى بورسعيد الآن بعد إعلان العقوبة الكروية هو مجرد بروفة لرفض أى أحكام جنائية سيصدرها القضاء ضد من تثبت إدانتهم بقتل أربعة وسبعين من جماهير الأهلى.. فإذا كانت عقوبة التجميد هى مؤامرة ضد أصحاب الحقوق التى ستضيع.. فإن الغضب المفتعل الآن فى بورسعيد والتلويح والتهديد بحرق قناة السويس هو مسرحية، القصد منها تمرير المؤامرة وقبولها.. ويجرى كل ذلك والمطلوب من الجميع السكوت بدعوى الحكمة والتهدئة..
 
وأنا أوافق بالتأكيد على الحكمة والتهدئة.. بشرط أن يكون ذلك ملزماً للجميع بلا أى استثناءات أو خواطر.. ومن يخرج أو يتمرد على تلك الدعوة ويعلو صوته داعياً للإثارة والفتنة فلابد من إسكاته وإجباره على الكف عن العبث بحاضر ومستقبل واستقرار الوطن.. كما أن الحكمة والدعوة للهدوء لا ينبغى أن تصبح دعوة للخوف أو للحياد بين فريقين.. فهناك أمور لا تحتمل أو تقبل هذا الحياد.. وكما قال الزعيم والثائر الأمريكى الراحل، مارتن لوثر كينج، منذ سنين طويلة: «الجحيم هو المكان الوحيد الذى يستحقه هؤلاء الذين التزموا الحياد وقت المعارك الأخلاقية العظيمة».. وهذا بالضبط هو سر انتصار البدرى فرغلى على الجميع: الحياد وادعاء الحكمة وطلب الهدوء.
 
المصدر: صحيفة المصري اليوم

آخر اﻷخبار

الاكثر قراءة